MIX

علماء عرب ومسلمون مجهولون قدموا إنجازات مدهشة للبشرية

تنال الشعوب مكانتها الحضارية والتاريخية بين الآخرين عبر إنجازاتها التي قدمها أبناؤها للعالم أجمع وأفادوا كل من بعدهم، والتاريخ الإسلامي والعربي حافل بالعلماء الذين خدموا البشرية بإنجازاتهم واختراعاتهم الهائلة.

نُقدم هنا سلسلة مقالات عن هذه الشخصيات العظيمة التي تركت وراءها إرثًا حضاريًا وعلميًا واكتشافات واختراعات نعرفها اليوم، لكن الكثير يجهل هوية صاحبها.

رجل الصاروخ العثماني

يُعتبر لاغاري حسن تشلبي أول إنسان في التاريخ حاول الوصول إلى سطح القمر وذلك في عهد الخلافة العثمانية عام 1633، حيث استقل صاروخًا ليصعد به إلى السماء، ويقول المؤرخون إنه أوشك على الوصول إلى القمر بعد عامين من ذلك.

دون الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي – وهو من أشهر الرحالة على مستوى العالم – تفاصيل تلك الرحلة التاريخية في كتابه “سياحة نامة” الذي يعتبر من أهم المراجع التي جمع فيها أخبار سفره وجولاته

وبذلك فإن العالم المسلم العثماني تشلبي يلقب بواضع اللبنة الأولى لعلم الصواريخ الصاعدة للفضاء، لأنه اخترع أول صاروخ أو ماكينة دفع نفاثة في ذلك العام، وزودها بوقود من البارود وانطلق بها عاليًا، نحو 300 متر، وعندما نفد الوقود أخرج جناحين وهبط المياه بسلامة.

دون الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي – وهو من أشهر الرحالة على مستوى العالم – تفاصيل تلك الرحلة التاريخية في كتابه “سياحة نامة” الذي يعتبر من أهم المراجع التي جمع فيها أخبار سفره وجولاته التي جمعها في عشرة مجلدات كبيرة صنفها وفقًا للمكان الجغرافي، بما فيها رحلة حسن تشلبي.

يقول أوليا جلبي في كتابه: “في مساء ولادة بنت السلطان مراد الرابع الأميرة “قايا”، أقيمت أفراح ذبح أضحية العقيقة، وكان حسن لاغاري قد اخترع قذيفة ذات سبعة أذرع تحتوي على خمسين أوقية من معجون البارود، وقام من داخل قصر السلطان في سراي بورنو وأمام السلطان بركوب هذه القذيفة، ثم أشعل معاونوه فتيلة القذيفة”، يتابع جلبي وصفه قائلًا: “وقبيل طيرانه نحو السماء، خاطب السلطان قائلاً له: يا مولاي! أستودعك الله، أنا ذاهب للتحدث مع عيسى عليه السلام”.

لم يتحدث الكثير من المؤرخين والعلماء عن تجربة تشلبي وفضله على علم الطيران والفضاء من بعده

أما عن الطيران، يُكمل جلبي: “ثم انطلق إلى السماء، ثم أشعل القذائف الأخرى التي كانت معه فنشر الأنوار في السماء، وبعد نفاد البارود بدأت القذيفة بالتوجه نحو الأرض، وهنا نشر أجنحة النسر التي كانت معه، ونزل على البحر قرب قصر سنان باشا، ثم أتى إلى حضرة السلطان وقال له مازحًا: مولاي! إنَّ عيسى عليه السلام يسلم عليك”.

وكافأه السلطان مراد وأنعم عليه بكيس من الذهب وسجله ضمن صنف “السباهي” في الجيش الانكشاري، براتب قدره 70 أقجة، وبعدها سافر تشلبي إلى “القرم” واستقر بها إلى أن توفي الطائر البارع هناك.

لم يتحدث الكثير من المؤرخين والعلماء عن تجربة تشلبي وفضله على علم الطيران والفضاء من بعده، لكن العالم النرويجي ومدير متحف النرويج للطيران موريتز روفافيك ذكره في حديث له مع جريدةWeekly World News في 15 ديسمبر 1998.

قال روفافيك إن أول محاولة لرجل للصعود للفضاء كانت لرجل تركي استقل صاروخ وطار عن سطح الأرض مسافة 900 قدم – أي ما يزيد على 275 مترًا تقريبًا -، وتابع حديثه للجريدة بأن الصاروخ تكون من جزئين: الجزء الأسفل هو قاعدة تم فيها تركيب 6 صواريخ صغيرة كي ينطلق الصاروخ إلى السماء، أما الجزء الثاني فهو الجزء الذي يُدفع إلى الأعلى بواسطة الصواريخ الست السابقة.

أديسون الشرق

كان حسن كامل الصباح العربي الوحيد الذي منحه معهد المهندسين الكهربائيين الأمريكيين لقب “فتى العلم الكهربائي”، كما أطلقت عليه بعض الصحف الأمريكية لقب خليفة أديسون أو أديسون الشرق، وذلك لاختراعه الكثير من الاختراعات التي تتراوح بين 35 و176 اختراعًا أنجزهم بنفسه بالإضافة إلى 15 اختراعًا مشاركةً مع علماء آخرين.

ولد حسن كامل الصباح بمدينة النبطية في لبنان عام 1895 ودرس في مدارس وجامعات دمشق، وتنقل بين بيروت ودمشق للعمل للحصول على المال الذي يحتاجه ليكمل دراسته

سجل الصباح اختراعاته في 13 دولة منها الولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا وكندا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأستراليا والهند واليابان وإسبانيا واتحاد دول إفريقيا الجنوبية.

ولد حسن كامل الصباح بمدينة النبطية في لبنان عام 1895 ودرس في مدارس وجامعات دمشق، وتنقل بين بيروت ودمشق للعمل للحصول على المال الذي يحتاجه كي يكمل دراسته، حتى وجد الفرصة للسفر إلى الولايات المتحدة لإكمال مسيرته العلمية والمهنية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قبل أن ينتقل فيما بعد للدراسة في جامعة إلينوي.

لكن مصاعب الحياة هناك أجبرته على ترك الجامعة قبل تخرجه، فعمل مع توماس إيديسون في شركة “جينيرال إلكتريك” – ثاني أكبر الشركات الصناعيّة والتجارية في العالم -، التي أسسها إديسون سابقًا لصناعة الأدوات الكهربائية المختلفة، حيث عمل فيها كمهندس في قسم “الصمامات المفرغة” التابع لمختبر أبحاث الشركة.

وفي عمر الـ28 أصبح مهندسًا رئيسيًا في الشركة التي خصصت له قسمًا وعددًا من المهندسين تحت إدارته ليزيد من أبحاثه ودراساته عن الطاقة الكهربائية وطرق الاستفادة منها في الأدوات التي تعتمد عليها.

بدأ الصباح سلسلة اختراعاته بجهاز ضبط الضغط عام 1927، حيث يعمل هذا الجهاز على تعيين مقدار القوة الكهربائية التي تلزم لتشغيل الآلات، ومقدار الضغط الكهربائي الواقع عليها.

اخترع الصباح جهازًا يعمل على تحويل الطاقة الشمسية إلى كهربائية مستمرة، أي طاقة نظيفة ومجانية

تبعه باختراع جهاز سُمي بـ”المربع الوحيد الكرة” الذي يساعد على إضاءة عدة مصابيح مسلسلة بنور ثابت مهما بلغ عددها، ومن ثم صنع جهازًا خاصًا للتلفزة يستخدم تأثير انعكاس الإلكترونات من فيلم مشع رقيق في أنبوب الأشعة المهبطية، وهو جهاز إلكتروني يمكّن من سماع الصوت في الراديو والتليفزيون ورؤية الصورة في نفس الوقت.

كما أنه اخترع بنفس العام جهازًا يعمل على تحويل الطاقة الشمسية إلى كهربائية مستمرة، أي طاقة نظيفة ومجانية، حيث كان عبارة عن بطارية ثانوية يتولّد بها حمل كهربائي بمجرد تعرّضها لأشعة الشمس، فإذا وُضع عدد منها يغطي مساحة ميل مربع (2.5 كيلومتر مربع) فإن القوة الكهربائية التي يمكن استصدارها من الشمس عندئذ تصل حتى 200 ميجا واط.

حاول الصباح أن ينقل هذا الاختراع المهم إلى الوطن العربي جاهدًا، فكتب للملك الراحل فيصل الأول ملك العراق رسالةً يشرح بها مشروعه القائم على بناء مصانع لتوليد الكهرباء وتوزيعها على أقطار الوطن العربي، لكن الملك توفي قبل أن يتبنى المشروع.

ثم عرض اختراعه على الملك السعودي الراحل عبد العزيز بن سعود ليتم تجريبه في صحراء “الربع الخالي” في شبه الجزيرة العربية، ولكن قبل أن يتم له ذلك، توفي الصباح في حادث مروري بأحد شوارع نيويورك عن عمر لم يتجاوز الـ39 عامًا، ويعتقد الكثيرون أن هناك جهة مجهولة الهوية دبرت الحادث.

تم تكريم الصباح من العديد من الدول والمنظمات والشركات والشخصيات في العالم مثل الاتحاد السوفيتي ومجموعة سيمينس

للصباح الكثير من الاختراعات الأخرى، كتصميم محرك طائرة إضافي يساعد الطائرة على التحليق في الطبقات الجوية العليا، وهو يشبه إلى حد كبير توربينات الطائرة النفاثة، وكذلك جهاز لنقل الصورة يستخدم اليوم في التصوير الكهروضوئي، وهو الأساس الذي ترتكز عليه السينما الحديثة، وخاصة السينما سكوب والتلفاز، إضافة لجهاز لتفريغ الشحن الكهربائي في الفضاء وجهاز مرسل للصور والمناظر.

تم تكريم الصباح من العديد من الدول والمنظمات والشركات والشخصيات في العالم مثل الاتحاد السوفيتي ومجموعة سيمينس، وقال عنه رئيس شركة جينيرال إلكتريك: “إنه أعظم المفكرين الرياضيين في البلاد الأمريكية، ووفاته تعدّ خسارة لعالم الاختراع”.

فيما نال العالم اللبناني الكثير من الأوسمة والشهادات، وأرسل الرئيس الأمريكي الراحل روزفلت إكليل ورد ليرافق جثمانه في أثناء نقله إلى مسقط رأسه.

أعظم طبيب منذ جالينوس

ابن زهر الإشبيلي، هو طبيب ومفكر إسلامي من أصول عربية، مواليد إشبيلية عام 1072 وتوفي عام 1131، وكان أكبر طبيب في الخلافة العربية التي قامت في الأندلس، كما أنه كان من أهم وأعظم علماء الطفيليات.

أوجز العمليات الجراحية لقطع القصبة الهوائية واستئصال الساد وإزالة حصى الكلى، كما ناقش أيضًا الانكماش المفرط وتمدد التلميذ

يرى بعض المؤرخين للعلوم أن ابن زهر أعظم الأطباء المسلمين منذ الرازي، ويصفه بعض معاصريه بأنه أعظم طبيب منذ جالينوس، وذلك لاعتماده على الدقة والعملية الشديدة في الوصف الطبي، وذلك يظهر في كتابه “تيسير العلاج والتدبير” عندما عارض الطبيب الفارسي ابن سينا.

وصف التهاب التامور الشديد (التهاب الكيس الغشائي المحيط بالقلب) والخراجات المنصفية (التي تؤثر على الأعضاء والأنسجة في التجويف الصدري فوق الحجاب الحاجز باستثناء الرئتين)، وأوجز العمليات الجراحية لقطع القصبة الهوائية واستئصال الساد وإزالة حصى الكلى، كما ناقش أيضًا الانكماش المفرط وتمدد التلميذ (ضيق الحدقة وتوسع حدقة العين)، ودعا إلى استخدام مواد مخدرة لعلاج أمراض العين.

كتب ابن زهر العديد من الكتب الضخمة للمتخصص في الطب ولعامة الشعب، وترجمت العديد من كتبه إلى اللاتينية والعبرية، وبقي الطلب عليها كبيرًا في أوروبا حتى أواخر القرن الثامن عشر، ولذلك كان لابن زهر تأثير كبير على الممارسة الطبية في أوروبا المسيحية.

كان ابن زهر يعتمد على التجربة على الحيوانات في أبحاثه، لاختبار العمليات الجراحية قبل تطبيقها على المرضى البشريين

كان ابن زهر مختلفًا عن علماء عصره الذين يعملون عادة في مجالات عديدة، بكونه مقتصرًا على عمله في الطب فقط، حيث قدم العديد من المساهمات الأصلية وطويلة الأمد، وشدد على الملاحظة والتجربة في عمله، وسبق ابن زهر زمنه في وصفه لعلم الأمراض، حيث قدم وصفًا دقيقًا لسرطان المرئ والمعدة، فضلًا عن الآفات الأخرى، وكان أول من قام بتعريف الجرب، حيث قدم أدلةً على سوس الجرب، ما ساهم في التقدم العلمي لعلم الأجياء الدقيقة.

كما أكد الطبيب ابن زهر على أهمية الوقاية من أمراض حجرية البول وضرورة تنظيم الغذاء لهذا الغرض، وابتكر لها العلاجات التي لم يسبق وصفها من قبل.

فيما اعتمد ابن زهر على التجربة على الحيوانات في أبحاثه، لاختبار العمليات الجراحية قبل تطبيقها على المرضى البشريين، فقد أثبتت تجربته التي أجراها على القصبات الهوائية للماعز سلامة هذه العملية لدى البشر، وشكلت خطوةً أخرى في تطوير المدرسة التجريبية التي بدأها الرازي في بغداد في القرن التاسع.

يُعد ابن زهر أحد أعظم أطباء الأندلس والتاريخ، فقد نال إعجاب كثير من معاصريه وعلى رأسهم صديقه ابن رشد الذي وصف ابن زهر في كتابه “الكليات” بأنه أعظم الأطباء بعد جالينوس

وتضمنت إعطاء جرعاتٍ للقرود من الزئبق لاختباره كدواء للاستخدام البشري، كما قام بتجارب ما بعد الموت على الأغنام، في سياق أبحاثه السريرية عن علاج الأمراض المتقرحة في الرئتين، وأكد جميع أسلافه في العصر الإسلامي أهمية المعرفة العملية والسليمة للتشريح للمتدربين على الجراحة.

يُعد ابن زهر أحد أعظم أطباء الأندلس والتاريخ، فقد نال إعجاب كثير من معاصريه وعلى رأسهم صديقه ابن رشد الذي وصفه في كتابه “الكليات” بأنه أعظم الأطباء بعد جالينوس.

كتب ابن زهر العديد من الكتب المهمة لكن لم يصل منها إلا القليل، ككتاب “الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد” و”التيسير في المداواة والتدبير” وكتاب “الأغذية” وكتاب “تذكرة” و”رسالة في علتي البرص والبهق” كتب بها إلى بعض الأطباء بإشبيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *