هل الضوضاء تعزز عملك
هل تحب العمل في بيئة صاخبة بينما يفضل زميلك العمل في صمت؟ قد يكون ذلك لأن عقلك أقل صخبًا، لذا هذه الضوضاء الإضافية الخارجية تعمل على تحسين أدائك المعرفي، في كل يوم من حياتنا نقوم دومًا باستخدام حواسنا دون جهد يذكر لإدراك العالم من حولنا، وفي أثناء ذلك نستقبل المعلومات لنتمكن من تعلم أشياء جديدة وتذوق الطعام ومشاهدة عروضنا المفضلة على نتفليكس.
ما لا نضعه في اعتبارنا أن حواسنا تتعرض بالفعل لقدر من الضوضاء، والمقصود هنا هو التداخل العشوائي، هذا التداخل قد يكون الضوضاء التي نسمعها مثل صوت مكيفات الهواء أو تشغيل الموسيقى في الخلفية في أثناء العمل أو الضوضاء التي نراها مثل ضوضاء تشوش التلفاز.
عادة ما تُعتبر تلك الضوضاء مصدر إزعاج، لكن الأدلة تقول إن كمية صغيرة من تلك الضوضاء بإمكانها أن تكون مفيدة لحواسنا، وتعرف هذه الظاهرة باسم “الرنين العشوائي”.
الضوضاء تعزز الأداء
تم التحقق من هذا الرنين العشوائي بشكل أساسي في الحيوانات، فعلى سبيل المثال، تمكن جراد البحر من تجنب الأسماك المفترسة بشكل أفضل عند إضافة مقدار صغير من التيارات العشوائية الإلكترونية إلى زعانف الذيل، أما سمك المجداف فقد تمكن من صيد المزيد من العوالق عند إضافة تيارات صغيرة للمياه.
أثبتت التجارب أنه من الممكن تعزيز الإشارات الحسية وذلك من خلال الضوضاء وتحسين سلوكيات العديد من الحيوانات، وفي البشر تلاعبت الأبحاث بمستويات الضوضاء وذلك بتعريض الناس لسماع أصوات صاخبة أو مشاهدتها على الشاشة أو إضافة اهتزازات عشوائية للجلد.
أظهرت النتائج أنه مع ارتفاع شدة الضوضاء تم الوصول إلى مستوى مثالي من الضوضاء يسمح للناس بالرؤية والسماع والشعور بشكل أفضل، أما زيادة الضوضاء عن الحد المطلوب فقد تسبب الحد من مستوى الأداء.
هذه العلاقة المعكوسة بين الأداء ومستوى الضوضاء إحدى سمات الرنين العشوائي، هذه الظاهرة لها تطبيقات حقيقية في الحياة، فعلى سبيل المثال، إضافة الضوضاء إلى أقدام الناس من خلال النعال المهتزة من شأنه تحسين توازن كبار السن، يمكن تطبيق الرنين العشوائي كذلك مع مرضى السكري والمتعافين من السكتة الدماغية، وكذلك لتعزيز وظائف العضلات.
الضوضاء تلعب دورًا مهمًا في الدماغ
تحدث السلوكيات والتصورات البشرية نتيجة انطلاق خلايا الدماغ، وفي بعض الأحيان تنطلق خلايا الدماغ بشكل عشوائي، هناك المزيد والمزيد من الأدلة على أن النشاط العشوائي لخلايا الدماغ قد يكون مفيدًا لإدراكك وأدائك المعرفي.
يوضح الرسم التالي الفرق في استجابة الدماغ للضوضاء، فعندما تكون الضوضاء ضعيفة لا يمكنها تجاوز نقطة البداية عند الخط المنقط، أما عند إضافة كمية مثالية من الضوضاء يزداد التحفيز ليتجاوز الخط المنقط، وعند ارتفاع الضوضاء بشكل كبير تتداخل الضوضاء مع الإشارة ولا يمكن تمييزهما.
كان فريق البحث الخاص بي مهتمًا باكتشاف ما يحدث عندما نغير مستويات الضوضاء في المخ بشكل مباشر من خلال تحفيز الدماغ، تستخدم خلايا الدماغ الكهرباء في التواصل، وفي تجربة أجريتها مع زميلي نيكولويندروث بالمعهد السويسري الفيدرالي للتكنولوجيا في زيورخ، قمنا بتطبيق التيارات على الدماغ لتحفيز خلايا الدماغ بشكل عشوائي من خلال تحفيز الضوضاء بشكل عشوائي عبر الجمجمة “tRNS”.
وجدنا أنه عند استقبال المشاركين للتحفيز، تحسنت رؤيتهم وقدرتهم على رؤية الصور ذات الجودة المنخفضة، هذا يعني أن ضوضاء الدماغ يمكنها مساعدتنا على الرؤية بشكل أفضل.
وفي تجربتين إضافيتين تم إجراؤهما مع جاسون ماتينغلي وماثيو تانغ في معهد كوينزلاند برين، استخدمنا “tRNS” لتوفير رؤية أفضل في كيفية تأثير الضوضاء على الدماغ، في إحدى الدراسات وجدنا أنه من الممكن تحسين القدرة على اتخاذ القرارات، فقد كانت القرارات أكثر دقة وسرعة عند ضبط مستوى الضوضاء في خلايا الدماغ.
أما تحسن القدرة على اتخاذ القرار فقد ظهرت فقط مع القرارات الصعبة مثل أن تكون المعلومات غامضة، وفي دراسة ثالثة وجدنا أن “tRNS” يؤثر فيما نراه في أثناء الوهم البصري، هذا يعني أن الضوضاء مهمة لضمان أن عقلك لا ينظر لجميع الأشياء بطريقة واحدة.
باختصار، أظهرت البيانات أن ضوضاء الدماغ جزء ضروري من الإداراك البشري واتخاذ القرارات والقدرات على الرؤية من خلال منظورات ومشاهدة مختلفة.
ما مقدار الضوضاء التي نحتاج إليها؟
قد يختلف مستوى الضوضاء المثالي الذي يمكنه تعزيز الوظائف المعرفية من شخص لآخر، وهو ما يفسر لماذا يقدم بعض الناس أداءً أفضل في البيئة الصاخبة، بينما يفضل الآخرون الصمت.
قد يكون هناك أيضًا دور تلعبه ضوضاء الدماغ في الحالات العصبية المختلفة، فعلى سبيل المثال، اتضح أن الأفراد المصابين بالتوحد وعسر القراءة واضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة والفصام لديهم تقلب دماغي مفرط مقارنة بالآخرين.
قد يعاني كبار السن من ارتفاع ضجيج الدماغ بشكل أكثر، وقد يكون مرتبطًا بتراجع الأداء المعرفي، فكميات صغيرة من الضوضاء تحسن الأداء، أما زيادة كمية الضوضاء تؤدي إلى تراجع الأداء، وهذا قد يفسر بعض خصائص الأمراض والمشكلات الحسية والمعرفية التي تحدث مع تقدم العمر.
من الممكن تغيير مستوى الضوضاء في الدماغ من خلال “tRNS” الذي يفتح طرقًا جديدة أمام دراسة دور ضوضاء الدماغ على الأداء البشري، فقد اتسعت معارفنا بشأن فهم دور الضوضاء للجهاز العصبي المركزي البشري.
هذا الأمر يسمح لنا بتطوير التدخلات أو الأجهزة التي تعالج مستويات الضوضاء ومن شأنها أن تحسن الوظائف المعرفية في الصحة والمرض، أما الآن إذا كنت تفضل العمل في بيئة صاخبة، فيمكنك بسهولة أن تقدم حجتك بأن هذه الضوضاء تعزز أدائك.